الإنترنت أصبح ساحةً حرّةً لرفع المقاطع المرئية (الفيديو)، ومن منا لا يمتلك جهاز هاتف يحتفظ فيه بمقاطع يستقبلها أو يصورها بنفسه أو يجمعها من هنا وهناك، ليقوم بحفظها أو عرضها أو إرسالها للآخرين؛ وأصبح التهاون بها كثيرًا، والوقوع في الأخطاء منها متوقعًا. وهذه بعض الأخلاقيات والملاحظات حول هذا الموضوع:
الفصل 4
أخلاقيات التعامل مع المرئيات
المشاهدة
ما أسهل البحث عن مقطع مرئي في الإنترنت، وما أبسط الحصول على المقاطع عبر مواقع وبرامج التواصل، وما أكثر تنوع المقاطع التي تظهر لك حينما تتصفح، ولا شك أن في ذلك تنوعًا في الثقافة التي نتلقاها، والانفتاح على أمورٍ جديدة والتعلم والاستفادة منها، وهذا جيّد، لكن هناك ملاحظات ومحذورات ينبغي التنبّه إليها، ومن أبرزها النظر إلى ما حرّم الله، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: ٣٠]، وكما روى أبو هريرةَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر...». وكثيرٌ من الشباب خاصة يعتقد أنه إذا ابتعد عن النظر إلى ما حرّم الله وصل إلى برّ الأمان، وأنه نجا من المحظور؛ لكن الأمر أكبر من هذا، فهناك مقاطع أخرى ينبغي التنبه إليها وعدم مشاهدتها، فمن ذلك المقاطع التي تستهزئ بمريض أو مبتلىً، أو الضحك والاستمتاع بمشاهدة ما يحرم الاستهزاء به في الخلقة، أو التي فيها همز ولمز وسخرية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١].
كما ينبغي الابتعاد عن مشاهد العنف، وخاصة بالنسبة للصغار، فإن هذا يقسّي القلب، وقد ينشئ العقد النفسية، ويعوّد من يعتادون عليها على الغلظة في التعامل، والتصرفات غير اللائقة، وخاصة في مجتمع إسلامي قائم على الرأفة والمحبة، والتعاون على النفع والخير.
رفع الفيديوهات ونشرها
بعد أن أصبحت تطبيقات التصوير وتعديل الفيديو تملأ الهواتف الذكية ويتفانى مطوروها بتسهيلها للمستخدم، وبعد أن ظهرت تطبيقات التواصل الاجتماعي المختصة بالتصوير ورفع الفيديو، أصبح الكثير منا يُبدع في تصوير وتجهيز المقاطع ونشرها، وهذه بعض الأخلاقيات التي ينبغي أن يتنبه إليها المسلم عندما يعمل في هذه المقاطع وينشرها:
الكلام الطيب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... والكلمة الطيبة صدقة»، فبالكلام الطيب والقول الحسن تتآلف القلوب وتلين. ولعل كلام ابن كثير في هذه الآية الكريمة: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [الحجرات: ١١] يكفي ويوضح معنى الكلام الطيب والقول الحسن: «كلموهم طيّبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف، كما قال الحسن البصري في قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ فالحُسْن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حُسْناً كما قال الله، وهو كل خُلُق حَسَن رضيه الله».
عدم انتهاك حقوق الآخرين، وهذه سنتحدث عنها في باب خاص به بعد هذا الباب إن شاء الله.
اجتناب تصوير ونشر عورات المسلمين وحياتهم الخاصة المصورة بدون إذنهم وفضحهم، فكما لا يجوز النظر إليها لا يجوز نشرها، والأدلة على ذلك ذكرناها في الفقرة السابقة، ونزيد عليها قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩].
اجتناب وضع المنكرات في هذه المقاطع، أو الطرق التي تؤدي إليها، وبعض المسلمين يفعل ذلك عن حسن نية وبقصد النصيحة، ولكن عدم ذكر ذلك سيكون درءًا للشبهة، وابتعادًا عن المفاسد.
الانتباه عند تصوير مقاطع الفيديو من إظهار جوانب الحياة الخاصة، وافتعال الحركات غير المرغوبة، كالرقص وغيره، والأمور غير اللائقة بشخصية المسلم عومًا، وهذا كثير جدًا بين المراهقين والأطفال. وقد ظهرت تطبيقات وبرامج خاصة لنشر وتسهيل هذا الأمر. وينبغي على الآباء والأمهات التنبه إلى تصرفات أولادهم وما يتابعونه ويمارسونه في ألعابهم ومراسلاتهم وتعليقاتهم، وتنبيههم إلى مخاطر مثل هذه البرامج.