تمت قراءة 20٪

الفصل 2

أخلاقيات الحوار

آداب النقاش وإبداء الرأي

أصبح النقاش على الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وخاصة بعد ظهور تطبيقات التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها. وأصبحت الآراء تنبثق من كل اتجاه، ومن غريزتنا أن نقوم بالرد أو التعليق على هذه الآراء، والدخول في هذه المناقاشات، سواء كنا ضد هذا الرأي أم معه. بل ونقوم بنشر آرائنا الخاصة ليُفتَحَ حولها باب النقاش. وفي ذلك آداب عديدة ينبغي الانتباه إليها والعمل بها.

لكل رأيٍ أهله ومجتمعه، وينبغي الانتباه إلى: أين أنشر رأيي، ومن هم المستهدفون منه؟ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «ما أنت بمحدِّثٍ قومًا حديثًا، لا تبلغهُ عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة».

مراجع

  • صحيح مسلم (المقدمة).

كما ينبغي للمسلم التحدث بالحسنى، قال الله تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ﴾ [الإسراء: ٥٣]، وعدم الدخول في الحوار الفارغ والجدال العقيم ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ﴾ [النحل: ١٢٥]، ولو ظن المسلم أن في رأيه أذىً أو أنه سيؤدي إلى خصام أو ما شابهه فليتجنبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخر، فليقلْ خيرًا أو ليصمت». فإذا دخلت في نقاشٍ بقصد النصيحة أو تبيين خطأ، ووجدت الطرف الآخر لا يتقبل النقاش، أو يسب، أو يتكبر، فمن الأفضل الابتعاد عنه وعدم الرد عليه، وتلك أخلاق المسلم الحسنة التي يتميز بها عن غيره! ﴿إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٤٩]. ولعل أجمل آية تصف خُلُق المسلم ما أمر الله به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩].

مراجع

  • صحيح البخاري - كتاب الأدب: باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره (جزء من حديث).

الحوار الدعوي

إن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من أفضل الطرق وأسرعها للتواصل الدعوي، ولذلك ينبغي أن تستغل لما فيه الخير والفضيلة، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣]. وهناك مواقع متخصصة بالدعوة والحوار مع غير المسلمين. فمن أراد أن يدخل في الحوار الدعوي، ينبغي أن يمتلك بعض الخصائص التي يتميز بها عن غيره، مثل:

قوة الحجة: من كان لا يملك الحجة أو المقدرة على تبيينها والاستدلال الصحيح والاستشهاد لها، في موضوع النقاش، فالأفضل أن يتجنب الحوار، حتى لا يعطي الطرف الآخر فرصةً للتشكيك أو الاعتزاز برأيٍ مضاد؛ لأنه لم يستطع الرد عليه أو الإجابة على بعض أسئلته، قال تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ١ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ٢ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ٣﴾ [البيّنة:١-٣].

إتقان اللغة: هذه نقطة مهمة جداً، فعدم إتقان اللغة قد يكون سببًا لعدم فهم الآخر بشكل جيد، أو إيصال المعلومات بشكل خطأ، وهذا قد يؤدي إلى نفور الطرف الآخر وابتعاده، بل قد لا يرغب في تكرار هذه التجربة مرة أخرى.

حسن الاستماع: لا شك أن الاستماع للطرف الآخر وعدم مقاطعته حتى ينهي كلامه يدل على أدب المحاور، ويجعله يفهم الطرف الآخر؛ ليستطيع الرد عليه ونصحه بشكل أفضل. يروى عن الحسن، أنه قال: «إذا جالست فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلَّم حُسن الاستماع، كما تعلَّمُ حسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه».

مراجع

  • مكارم الأخلاق للخرائطي - باب ذكر حسن المجالسة وواجب حقها.

التحدث على قدر ثقافة ومستوى الطرف الآخر: كما قلنا في مقدمة آداب النقاش وإبداء الرأي السابقة، فإن المتحدث يراعي البيئة والجو الثقافي الذي يعيشه الطرف الآخر، حتى يفهم حديثه وما يرمي إليه.

القول اللين واللطف في الحوار: ولعل أجمل مثال على ذلك قوله تعالى مخاطبًا موسى وأخاه هارون عليهما السلام بعد أمره لهما بالذهاب إلى فرعون لدعوته: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ [طه: 44]، فقد أمر الله نبييه بمخاطبة فرعون - وهو في غاية الاستكبار - برقة ولين وكلام سهل. فكيف إذا كان الطرف المخاطَب شخصًا عاديًّا لم يبدِ عنادًا ولا استكبارًا؟